سورة التوبة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {يريدون أن يطفئوا نور الله} قال ابن عباس: يخمدوا دين الله بتكذيبهم، يعني: أنهم يكذبون به ويُعرضون عنه يريدون إبطاله بذلك. وقال الحسن وقتادة: نور الله: القرآن والإسلام. فأما تخصيص ذلك بالأفواه، فلما ذكرنا في الآية قبلها. وقيل: إن الله تعالى لم يذكر قولاً مقروناً بالأفواه والألسن إلا وهو زور.
قوله تعالى: {ويأبى الله إلا أن يُتمَّ نُورَه} قال الفراء: إنما دخلت {إلا} هاهنا، لأن في الإباء طرفاً من الجحد، ألا ترى أن أبيت كقولك: لم أفعل، ولا أفعل فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد، قال الشاعر:
فَهَلْ لِيَ أُمٌّ غيرُها إن تركتُها *** أبى الله إلا أن أكُون لَها ابنما
وقال الزجاج: المعنى: ويأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره. قال مقاتل: {يتم نوره} أي: يظهر دينه.


قوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم {بالهدى}، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه التوحيد. والثاني: القرآن. والثالث: تبيان الفرائض. فأما دين الحق، فهو الإسلام. وفي قوله: {ليظهرَه} قولان:
أحدهما: أن الهاء عائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمعنى: ليعلّمه شرائع الدِّين كلَّها، فلا يخفى عليه منها شيء، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها راجعة إلى الدين. ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: ليظهر هذا الدين على سائر الملل. ومتى يكون ذلك؟ فيه قولان: أحدهما: عند نزول عيسى عليه السلام، فانه يتبعه أهل كل دين، وتصير المللُ واحدة، فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام أو أدَّوا الجزية، قاله أبو هريرة، والضحاك. والثاني: أنه عند خروج المهدي، قاله السدي.
والقول الثاني: أن إظهار الدِّين إنما هو بالحجج الواضحة، وإن لم يدخل الناس فيه.


قوله تعالى: {إن كثيراً من الأحبار} الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى. وفي الباطل أربعة أقوال.
أحدها: أنه الظلم، قاله ابن عباس. والثاني: الرشا في الحكم، قاله الحسن. والثالث: الكذب، قاله أبو سليمان. والرابع: أخذه من الجهة المحظورة، قاله القاضي أبو يعلى. والمراد: أخذ الأموال، وإنما ذكر الأكل، لأنه معظم المقصود من المال. وفي المراد بسبيل الله هاهنا قولان:
أحدهما: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: أنه الحق والحكم.
قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها نزلت عامّة في أهل الكتاب والمسلمين، قاله أبو ذر، والضحاك.
والثاني: أنها خاصَّة في أهل الكتاب، قاله معاوية بن أبي سفيان.
والثالث: أنها في المسلمين، قاله ابن عباس، والسدي.
وفي الكنز المستحقّ عليه هذا الوعيد ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه مالم تؤدَّ زكاته. قال ابن عمر: كل مال أُدِّيتْ زكاتُه وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل مال لا تؤدَّى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً على وجه الأرض، وإلى هذا المعنى: ذهب الجمهور. فعلى هذا، معنى الإنفاق: إخراج الزكاة.
والثاني: أنه ما زاد على أربعة آلاف، روي عن علي بن أبي طالب أنه: قال أربعة آلاف نفقة، وما فوقها كنز.
والثالث: ما فضل عن الحاجة، وكان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام ثم نُسخ بالزكاة.
فان قيل: كيف قال {ينفقونها} وقد ذكر شيئين؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن المعنى: يرجع إلى الكنوز والأموال.
والثاني: أنه يرجع إلى الفضة، وحذُف الذهب. لأنه داخل في الفضة، قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك راضٍ والرأي مختلفُ
يريد: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، ذكر القولين الزجاج.
وقال الفراء: إن شئت اكتفيت بأحد المذكورين، كقوله: {ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً} [النساء: 112] وقوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضَّوا إليها} [الجمعة: 11]، وأنشد:
إني ضمنت لمن أتاني ما جَنَى *** وأبى وكان وكنت غير غَدورِ
ولم يقل: غدورين، وإنما اكتفى بالواحد لاتفاق المعنى. قال أبو عبيدة: والعرب إذا أشركوا بين اثنين قصروا، فخبَّروا عن أحدهما استغناء بذلك، وتحقيقاً؛ لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه، ودخل معه في ذلك الخبر، وأنشد:
فمن يك أمسى بالمدينة رحْلُهُ *** فاني وقيَّارٌ بها لغريب
والنصب في: قيار أجود، وقد يكون الرفع. وقال حسان بن ثابت:
إنَّ شرخَ الشبابِ والشَّعَرَ الأس *** ودَ مالم يُعَاصَ كان جُنُونا
ولم يقل: يعاصيا.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11